طوال أيام الأسبوع يوجد لدينا
التحذير من تزيين القبور في الإسلام: دعوة إلى البساطة والاعتدال

تعتبر القبور في الإسلام مكانًا للاتعاظ والتذكير بالموت والآخرة، ولذلك حثّ الدين الحنيف على البساطة في دفن الموتى وعدم المغالاة في بناء أو تزيين القبور. وقد وردت نصوص شرعية تحذر من الإسراف في هذا الأمر، لما قد يترتب عليه من مفاسد دينية واجتماعية. في هذا المقال، سنتناول التحذير من تزيين القبور في الإسلام وأهمية الالتزام بتعاليم الشريعة في هذا الجانب.

مفهوم تزيين القبور في الشريعة الإسلامية

يشمل تزيين القبور كل ما يضفى على القبر من مظاهر الزينة والتجميل، مثل بناء القباب والتماثيل، أو استخدام الأحجار الكريمة، أو كتابة النقوش والزخارف الباهظة. وقد نهى الإسلام عن هذه الممارسات لأنها تتعارض مع مبدأ التوحيد وتفتح الباب أمام الغلو والشرك.

الأدلة الشرعية على تحريم تزيين القبور

وردت أحاديث نبوية صريحة تحذر من تزيين القبور ورفعها عن مستوى الأرض. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه” (رواه مسلم). يدل هذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور، أي تزيينها بالجص أو غيره من مواد الزينة.

بالإضافة إلى ذلك، حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد أو أماكن للعبادة، حيث قال: “لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” (متفق عليه). وهذا تحذير شديد من مغبة الغلو في تعظيم القبور وتحويلها إلى مزارات.

الحكمة من النهي عن تزيين القبور

النهي عن تزيين القبور يأتي لحماية العقيدة الإسلامية من الشرك والغلو. فإن تزيين القبور قد يؤدي إلى تعظيم الأشخاص المدفونين فيها بشكل مبالغ فيه، وربما يصل الأمر إلى التوسل بهم أو دعائهم من دون الله، وهذا يتنافى مع مبدأ التوحيد.

علاوة على ذلك، فإن الإسراف في بناء القبور وتزيينها يعد من التبذير المنهي عنه شرعًا، حيث قال الله تعالى: “وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا” (الإسراء: 26). فالأموال التي تُنفق في هذا المجال أولى أن تُصرف في أعمال البر والخير.

 الآثار السلبية لتزيين القبور على المجتمع

تزيين القبور قد يخلق نوعًا من التمايز الطبقي بين الناس، حيث يتم التفريق بين الغني والفقير حتى بعد الموت. وهذا يتعارض مع مبدأ المساواة الذي يدعو إليه الإسلام. فالقبور يجب أن تكون بسيطة ومتواضعة، تعكس حقيقة أن الجميع أمام الموت سواء.

كيفية التعامل مع القبور وفقًا للشرع

الإسلام يدعو إلى تسوية القبور مع الأرض أو رفعها بقدر شبر ليُعلم أنها قبور، دون أي إضافات أخرى. ويُستحب وضع شاهد على القبر يحمل اسم المتوفى للتعريف به، دون اللجوء إلى الزخارف والنقوش. كما ينبغي الابتعاد عن أي ممارسات قد تفضي إلى تعظيم القبور أو اتخاذها مزارات.

التبعات السلبية لتزيين المقابر

بالإضافة إلى التوجيهات الدينية، هناك تبعات اجتماعية وأخلاقية يمكن أن تنجم عن تزيين القبور:

1. نشر مظاهر التفاخر: عندما يبدأ الناس في تزيين القبور أو بناء أضرحة فخمة، يتحول القبر من كونه مكانًا للتذكير بالموت والآخرة إلى وسيلة للتفاخر والتباهي. وهذا يتعارض مع روح الإسلام التي تشدد على الزهد والتواضع.

2. تحميل الأهل تكاليف باهظة: بناء القبور المزخرفة يمكن أن يفرض أعباء مالية كبيرة على الأسر، خاصة في المجتمعات التي تتعرض لضغوط اجتماعية لتزيين القبور. هذا يمكن أن يؤدي إلى أعباء غير ضرورية، قد تكون الأسر في غنى عنها.

3. الابتعاد عن الهدف الروحي للزيارة: الهدف الأساسي من زيارة القبور في الإسلام هو التذكير بالموت والاتعاظ. ولكن عندما يصبح القبر مزخرفًا أو مبنيًا بشكل فخم، قد يفقد الزائر هذا الغرض الروحي ويتحول إلى إعجاب بالشكل الخارجي للقبر.

 دور المسلمين في التصدي لهذه الظاهرة

على المسلمين الالتزام بتعاليم الشريعة في دفن الموتى والتعامل مع القبور. ويتحقق ذلك من خلال:

1. التوعية الشرعية: نشر العلم الصحيح بين الناس حول أحكام القبور وتزيينها، وتبيين مخاطر المخالفة.

2. القدوة الحسنة: الالتزام الشخصي بالبساطة في دفن الأقارب وعدم المغالاة، ليكون الإنسان قدوة لغيره.

3. التعاون مع الجهات المعنية: دعم الجهود التي تبذلها المؤسسات الدينية في تنظيم المقابر وفقًا للشرع.

في الختام، يعتبر التحذير من تزيين المقابر في الإسلام دعوة صريحة إلى التمسك بالتوحيد والابتعاد عن كل ما قد يفسد العقيدة. فالقبور أماكن للاتعاظ والتذكر، وليست للزينة والتفاخر. ومن خلال الالتزام بتعاليم الشريعة في هذا الشأن، يحقق المسلم سلامة دينه ويجنب المجتمع الكثير من الآفات.

لعلنا نجد في هذا الموضوع دعوةً صادقةً إلى مراجعة أنفسنا والالتزام بتعاليم ديننا الحنيف. فالبساطة في الحياة والممات هي السبيل إلى رضا الله تعالى وتحقيق مقاصد الشريعة. فلنحرص على اتباع السنة النبوية في كل أمورنا، والله ولي التوفيق.